يتسبب مصطلح الهوية "السياسية"والتعددية "الثقافية" بكثير من البلبلة والتناقض والخلط لأنه قد يعني في آن واحد "الثقافة" (المتغيرة) و"الهوية" (الثابتة) لشعب أو دولة ما.
وكثيرا ما ينطبق هذا المصطلح على "ثقافة رسمية" أو "ممأسسة" أو "مقدسة" لمجموعة ما، كأتباع دين معين أو أيديولوجيا معينة أو اتجاه فكري أو نظام اجتماعي معين. بل حتى الدول والمؤسسات والشركات التجارية الكبرى قد تملك "هويات ثقافية" خاصة بها. ويؤمن أتباع الدين أو الأيديولوجيا أو المؤسسة بأن منظوماتهم الفكرية لا تتغير عبر الزمن (هنا يكثر الحديث عن "الخصوصيات الثقافية"). ومن المعلوم أن معظم الأديان والأيديولوجيات والنظم الفكرية تحتوي على بعض الأفكار والمعتقدات الثابتة والمستمرة عبر مدة زمنية طويلة، وهو ما يعطيها "صفة هوياتية" (لأن الهوية لا تتغير). ولهذا السبب يحرص أتباع الأديان والأيديولوجيات على إضفاء صفة "الهوية" أو "الهوية الثقافية" على أديانهم أو أيديولوجياتهم، ويترفعون عن وصفها ب"الثقافة" (لأن الثقافة تتغير عبر الزمن).ولكن الحقيقة هي أن تلك الأديان والأيديولوجيات تتوفر على أجزاء كبيرة منها خضعت لتغير ما في التفسير والتأويل وطريقة التطبيق. بل وإن الكثير منها خضعت لتعديلات جوهرية مما يجعل مقارنتها ومساواتها بنسخها القديمة أمرا متعذرا.إذن ف"الهوية الثقافية" تنطبق على الأديان والأيديولوجيات والحضارات والنظم الإجتماعية والفكرية والثقافية المتميزة عن بعضها البعض والتي لم تتغير (بعض أفكارها) عبر الزمن، أو لم يتغير تأويلها كثيرا. إلا أن "الهوية الثقافية" (رغم استمراريتها المحتملة) تبقى مجموعة من الآراء والأفكار الموضوعية عكس "الهوية السياسية" التي هي خصائص ذاتية صرفة للشعب والدولة أي تعبر عن كيان سياسي مستقل ذو سيادة.
هل الهوية السياسية قابلة للتصدير والإستيراد مثل الثقافة والفنون والبضائع؟
حينما نتعلم إعداد أكلة إيطالية شهية أو ندرس نظرية ألمانية أو نشتري لعبة كومبيوتر أمريكية فنحن نستورد ثقافات أجنبية. وحينما يشتري السياح مصنوعات تقليدية من شمال افريقيا تمازغا ويعودون بها إلى بلدانهم، فشمال افريقيا تمازغا حينئذ يصدّر منتوجا ثقافيا إلى الخارج.
ولكن هل سمعنا يوما عن شعب استورد هويته السياسية من شعب آخر وهل سمعنا أن شعبا استورد سيادته ؟
هل سمعنا يوما عن شعب يريد أن يتخلص من هويته الأصيلة لكي يصبح نسخة من شعب آخر أي يتنصل من كيانه المستقل سياسيا ويصبح تابع لكيان سياسي لشعب آخر؟
وحتى لو حدث هذا، فهذا يعني بأن ذلك الشعب (المستورد للهوية) لا يملك هوية خاصة به، أي أنه لا يملك ذاكرة جماعية أصيلة ولا شخصية ذاتية ولا تاريخا يميزه عن الشعوب الأخرى ولا سيادة على أرضه وبالتالي هو مستعمر وتابع وغير مستقل.
باختصار: الهوية هي خاصة بصاحبها، الشخص أو الشعب، وتميزه عن غيره. الهوية غير قابلة للتصدير والإستيراد والإستنساخ والمزج (باستثناء حالات غسيل الدماغ والإستلاب والإستعمار السياسي والاستحمار الثقافي).
هل يمكن أن يكون هناك "تعدد هوياتي" على غرار "التعدد الثقافي"؟
التعدد الثقافي شيء معروف جدا. فالشخص أو الشعب الذي يتكلم عدة لغات هو متعدد الثقافات. والشخص المتعمق في التاريخ الأمازيغي والفلسفة الإغريقية والحضارة الصينية والشعر العربي مثلا هو متعدد الثقافات.
ولكن لا يمكن لشخص أو شعب أن يمتلك هويات متعددة وخصائص ذاتية "ثابتة" و"متغيرة" ومتضاربة في آن واحد. وأيضا لا يمكن لشخص أو شعب أن ينتمي لأرضين ويتواجد في بلدين أو في مكانين في نفس الوقت!
أن يكون شخص واحد أو شعب واحد "متعدد الهويات" فهو بمثابة شخص بعدة رؤوس أو بعدة شخصيات!يعني لا يمكن للانسان الأمازيغي الشمال افريقي أن يقدم نفسه للمجتمع الدولي كانسان أمازيغي وعربي وعثماني وروماني وبزنطي وفينيقي وفرنسي واسباني وايطالي وهو مالا يقبله العقل والمنطق. ولابد أن بعضنا قد سمع عن المرض النفسي "تعدد الشخصيات" Multiple personality disorder أو مرض "انفصام أو تعدد الهوية" Dissociative identity disorder حيث إن الشخص يعاني من تداخل هويات شخصية وهمية تتطفل على هويته الشخصية الحقيقية . حيث إن تلك الهويات الشخصية ومن ثم الشعبية الوهمية تكون مبنية في ذهنه على تاريخ شخصي ومن ثم شعبي متخيل وأحداث متخيلة وانتماءات متخيلة، أو ذكريات متخيلة أو مشوهة تغذيها القراءة الاستعمارية الاجنبية لتاريخه والغزو الايديولوجي والثقافي والاعلامي لدماغه. والشخص أو الشعب الذي يقال عنه بأنه "متعدد الهويات" أو "متعدد الروافد الهوياتية" هو في الحقيقة متعدد الثقافات (أو متعدد الروافد الثقافية) لا غير . وفكرة التعدد و"الروافد" لا محل لها من الإعراب في الهوية السياسية للشعوب ، وإنما الروافد تنطبق على الثقافة، حيث إن الشعوب والحضارات تتعلم من بعضها البعض بشكل مستمر و"تتغذى" من "روافد" المعارف والثقافات المتجددة وتخلق لنفسها "ثقافات هجينة" جديدة تتغير باستمرار وتجمع بين أفكار وفلسفات وفنون مختلفة محلية وأجنبية، دون أن يتخلى أي من تلك الشعوب عن هويته السياسية الوطنية التي هي عنوان استقلاله وسيادته.
كل شعب يملك تاريخا واحدا وجغرافية واحدة يشكلان البعدين الزمني والمكاني لهويته (أي ذاكرته الجماعية). ولا يمكن دمج وصهر تاريخ وجغرافية الشعب في تاريخ وجغرافية شعب آخر لأن ذلك تدمير للذاكرة الجماعية للشعب وهذا حال الشعب الأمازيغي بشمال افريقيا. وهذا الدمج والصهر القسري للهوية السياسية هو بمثابة إبادة معنوية للذاكرة الجماعية لا تختلف كثيرا عن الإبادة المادية للأجساد. فهو ليس الا استعمار للأرض وللانسان.
وكذلك لا يمكن دمج أو صهر التاريخ الشخصي والتواجد المكاني لإنسان ما في إنسان آخر لأن ذلك طمس للذاكرة الشخصية للإنسان أي أنه تدمير للهوية الشخصية.فلا يمكن بالمرة دمج وصهر التاريخ الشخصي والتواجد المكاني الشمال افريقي للانسان الامازيغي في الانسان العربي الآسيوي.والهوية الأمازيغية لم تكن يوما ناقصة حتى تحتاج إلى هويات أجنبية تغذيها وتكملها رغم أنها هوية منفتحة تفاعلت واستوعبت ولم تستوعب كل ما وفد عليها وأصبح جزء لا يتجزأ منها. وإنما هي هوية فريدة خاصة بالشعب الأمازيغي الشمال افريقي وأرضه الأمازيغية الشمال افريقية تميزه عن الشعوب والأوطان الأخرى تأكل ولا تؤكل. الهوية الأمازيغية غير محتاجة للإختلاط والتمازج بالهويات الأخرى، زيادة على استحالة ذلك من الناحية العملية لأن خلط الهوية هو تخلي عن السيادة والاستقلال ودخول في حالة من الاستعمار والتبعية وهذا ما يحصل لفائدة الهوية العربية الآسيوية وبالتالي تحول الارض الامازيغية الى ارض عربية والانسان الامازيغي الى انسان عربي ولا معنى للتعدد الثقافي والتثاقف واتقان عدة لغات لأن الهوية السياسية التي تقدمك للمجتمع الدولي هي هوية عربية للأرض والشعب وكل ما يعود اليهما وعليهما.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire