على الحركة الأمازيغية في شمال افريقيا أن تعي الظرف الدقيق للمرحلة وتتحمل مسؤولياتها كاملة.
ان الحركة الأمازيغية، رغم أنها واعية أن القضية الأمازيغية قضية سياسية، إلا أنها لا زالت تناضل دائما في إطار ثقافي لغوي تراثي ولم تنتقل بعدُ إلى المستوى السياسي الذي هو لب القضية الأمازيغية. وإذا كانت القضية الأمازيغية قضية سياسية في جوهرها، فينبغي إذن التحول من المطالب ذات المضمون الثقافي التراثي إلى مطالب سياسية حقيقية. لكن كيف يتم هذا التحول؟؟
السياسة في تعريفها العام هي كل ما له علاقة بالحكم والسلطة وتسيير شؤون الدولة وبالتالي فإن صاحب المطالب السياسية الحقيقية هو من يسعى إلى الوصول إلى الحكم، أي تسيير شؤون الدولة، كما لدى الأحزاب السياسية، حسب ما سبقت الإشارة إليه. النتيجة أن الحركة الأمازيغية، في شمال افريقيا حتى تنتقل من الثقافي إلى السياسي، هو ينبغي أن يصبح الحكم أمازيغيا في دول شمال افريقيا. لكن كيف ذلك وبأي معنى وبأي مضمون؟
أن يصبح الحكم أمازيغيا كمطلب للحركة الأمازيغية لا يعني المطالبة بتغيير الحكام الحاليين باعتبارهم "عربا" (وهذا خطأ لأنهم في الحقيقة أمازيغ مستعربين ومتبنين للفكر العروبي أي توجههم الفكري والسياسي عربي) واستبدالهم بآخرين ناطقين بالأمازيغية. فهذا التصور للحكم الأمازيغي ينطلق من مفهوم عرقي وعنصري للهوية يجد مصدره في الثقافة العربية المشرقية التي تربط الهوية بالعرق والنسب، وهو المفهوم الذي ينبغي على الحركة الأمازيغية في شمال افريقيا تجاوزه واستبداله بمفهوم ترابي للهوية يربط هذه الأخيرة أي الهوية، ليس بالعرق والنسب بل بالأرض وهو ما يدخل في تعريف الهوية ويشكل جوهرها وأساساها كما نجدها عند كافة الشعوب والدول. فما يجب أن تطالب به الحركة الأمازيغية هو أن تنقل مطالبها إلى المستوى السياسي، ليس المطالبة بترسيم اللغة الأمازيغية بل ترسيم الدولة الأمازيغية ـ والذي يجسده الحكم الأمازيغي ـ بالمفهوم الهوياتي الترابي، أي أن تصبح الدولة أمازيغية الهوية و الانتماء أي انسجاما مع هوية الأرض الأمازيغية التي تسود عليها هذه الدولة. فما لم تجعل الحركة الأمازيغية في شمال افريقيا من ترسيم الدولة الأمازيغية ـ بالمفهوم الهوياتي الترابي دائما وليس بالمفهوم العرقي مطلبها المرجعي والأصلي وتبقى كل مطالبها في شكلها الحالي مطالب ثقافية لا يمكن الاستجابة لها إلا ثقافويا بل فلكلوريا لا تتعدى حدود الهامش التراثي مع بقاء هوية الدولة عربية ومحافظتها على الانتماء العربي ليستمر معها الإقصاء السياسي للأمازيغية. وهو ما يدعم "السياسة البربرية" الجديدة التي تنهجها الدولة العربية تجاه المطالب الأمازيغية ففي إطار هذه "السياسة البربرية الجديدة"، لا تجد الدول الشمال افريقية العربية الهوية والانتماء حرجا في الاستجابة للمطالب الأمازيغية في شكلها الثقافي والتراثي واللغوي ما دام أن هذه المطالب لا تمس بالثوابت الهوياتية العروبية للدولة هذه الثوابت التي تؤكد أن ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريطانيا بلد عربي دولته عربية وتحكمها سلطة عربية هويته عربية وانتمائه عربي وبالفعل لم يسبق، إلى حد الآن، للحركة الأمازيغية بشمال افريقيا أن طالبت بتمزيغ هوية الدولة الليبية والتونسية والجزائرية والمغربية والموريطانية تبعا لهوية الأرض التي تحكمها هذه الدولة، ولو أن الاعتراف بالهوية الأمازيغية يشكل أحد المطالب الرئيسية لهذه الحركات لكن بمعناها الثقافي والتراثي والأنتروبولوجي والعرقي الخاطئ، المتعلق بهوية الأمازيغيين كأفراد وجماعات معزولة عن باقي مكونات الشعب لهم لغة وعادات وتاريخ وتراث خاص بهم بل واعتبارهم خطأ وفق أجندات سياسوية مقيتة كأقلية أمازيغية داخل أغلبية عربية وليس بمعناها السياسي المتعلق بهوية الدول في شمال افريقيا وانتمائهم فلا نجد في أدبيات الحركات الأمازيغية في شمال افريقيا ذِكرا لمطلب ذي علاقة بتمزيغ هوية الدولة والسلطة والحكم. واستمرارهذه الحركة في المطالبة بالاعتراف بالهوية الأمازيغية بهذا المعنى التراثي الفلكلوري الهامشي، غير السياسي ، يحصر القضية الأمازيغية في إطار عرقي ضيق يختزلها في صراع بين أمازيغيين يطالبون بحقوقهم و"عرب"(أمازيغ عروبيين)يرفضون هذه الحقوق. وهو ما يجعل "العرب" دائما نقول المفترضين الذين هم في الاصل امازيغ مستعربين ذوي توجه فكري قومي عروبي سوى علماني-اسلامي أو فرنكوفوني يتخوفون من الأمازيغية لأنهم يرون فيها تهديدا لمصالحهم السياسية والاقتصادية والإثنية، وهو ما يزيد من عدائهم ورفضهم للأمازيغية. بل إن منهم من يغوّلون (من الغول) الأمر ويهوّلونه عندما يقولون بأن الأمازيغيين (الناشطين في الحركة الأمازيغية) سيطردونهم من شمال افريقيا لو كانوا يملكون السلطة ويطلقون صيحات الفزع التي تحذر من التقسيم والفتنة مع تهم الخيانة والعمالة وهكذا تُفاقمت المطالب الأمازيغية المنطلقة من فهم عرقي عروبي للهوية من جهة ومن فهم غربي حقوقي للهوية من جهة أخرى من التعارض والتنافر بين الهوية الأمازيغية والمنتمين إليها من الأمازيغيين أنفسهم.