vendredi 22 août 2014

الصراع السياسي في شمال افريقيا

كان شمال افريقيا اقليم المفارقات ولازال التساؤل المستمر عن مضمون ميراثه التاريخي ونزوعه نحو الانقسامية تارة والالتحامية تارة اخرى وعن مدى اعتبار هذا الميراث التاريخي مولدا لمجتمع واحد متجانس ومتماسك وبالتالي مجالا لتاسيس وحدة اقليمية مستقلة ذات سيادة.

لقد عرف شمال افريقيا القديم وبشكل دائم اضافة الى مناطق خاضعة للحكم المركزي والى اخرى وسيطة تسكنها قبائل مخضعة مناطق تسكنها قبائل دائمة التمرد كانت تشكل تهديدا مباشرا للحكم المركزي وتصل الى حد الاستيلاء على الدولة وبناء دولة اخرى بديلا عنها.وقد بالغ كثيرا الاستعمار الغربي في بناء نظرية الانصاف الشهيرة التي تعتبر ان النظام الاجتماعي الامازيغي كان يقوم اساسا على ماسسة التضاد بين وحداته الاجتماعية القبائل الامازيغية التي تبقى في حالة صراع دائم بحيث ينفي بعضها البعض الاخر بواسطة لعبة الاحلاف ولا شك ان ترويج هذه النظرية يؤدي الى نفي وجود دولة وبالتالي يرمي الى تبرير احتلال شمال افريقيا بلاد الامازيغ واستعمارها بحجة القضاء على الفوضى فيها ووضع حد للصراعات فيما بينها وهو نفس الدور الذي اضطلعت به حكومات الاستقلال في شمال افريقيا وفق هذه النظرية لتبرير القمع والاستبداد والانفراد بالحكم خدمة لصالح الاستعمار.
ولكن من الملفت والمهم جدا اعتماد التفسير الذي اعطاه الدكتور عبد الباقي الهرماسي لمسالة ظهور المركز السياسي ومفاده انه بالرغم من الانقسامية السياسية ووجود وحدات اجتماعية مستقلة وهي القبائل فان ذلك لم يكن يتعارض مع النزوع نحو مركزة الحكم والتضامن بفعل الاخطار الخارجية والوقوف على ارضية معيارية واحدة تجاه العدو الخارجي للتلاقي في شكل تكاملي حول وحدة اجتماعية لمختلف المجموعات قبائل او كنفيدراليات.
الا انه من الثابت ايضا ان شمال افريقيا كان يشهد حركات انقسامية-التحامية تؤدي الى انفصال بعض القبائل عن السلطة المركزية والتحامها مجددا فيما بينها لتنشئ دولة جديدة كدولة المرابطين مثلا او دولة الموحدين او دولة الحفصيين وهذا ما عرفته الخلافة الاموية ولم تنج منه الدولة العباسية بعد قرن من تاسيسها في بداية مرحلة ضعفها حيث اخذت الدول المستقلة تظهر في بلاد المغرب حول قبيلة معينة تلعب دورا مهما في قيام الدولة نظرا لدرجة التحامها العالية ثم لا تلبث هذه القبيلة ان تنهار وتنجح قبيلة اخرى تتوفر لها ذات المميزات في القضاء على الدولة وتاسيس دولة جديدة ذات سلطة مركزية.
وهي الحقيقة كما يؤكدها الدكتور سعد الدين ابراهيم ان الانقسامية والالتحامية لا يفارقان الحركية الاجتماعية في شمال افريقيا وليس الانقسامية وحدها كانتا وجهين متلازمين للوجود الاجتماعي الامازيغي.وكان التفاعل بين عوامل الانقسام والالتحام يمثل جدلية العلاقة بين السلطة السياسية والمجتمع أو بمفاهيمنا العصرية بين السلطة السياسية والمعارضة من احزاب ومنظمات وجمعيات اي بين السلطة والمجتمع المدني في صيغته الحديثة.
ان جميع الحركات الانقسامية والالتحامية التي ظهرت بشمال افريقيا عبر التاريخ دائما ما اعتبرت نفسها كما اعتبرها الاهالي مجرد حركات داخلية أو أهلية أصيلة ولم تكن في ذهن معاصريها بأجنبية ولا دخيلة أو متطفلة وهي ظرفية حتمية لكل منطقة يحتد فيها التنافس الداخلي الذي غالبا ما تقوده دوافع سياسية واقتصادية تقف وراء كل عمل وحدوي وتحركه من الداخل وتدفع به الى الصراع من أجل البقاء والاستمرار والتطور بل هي عامل صحي يدل على النضج السياسي للمجتمع الامازيغي وجنوحه دائما نحو التغيير لا القبول بالاستبداد والتملك وهي علاقة بين السلطة والمجتمع تمثل خصوصية شمال افريقيا فكانت عامل انكسار للغزاة والمستعمرين المتجبرين أعداء الديمقراطية والحرية والتغيير.

وحدة شمال افريقيا

مثلت شمال افريقيا تمازغا ولا تزال وستبقى وحدة طبيعية ورقعة جغرافية متشابهة الخصائص والمناخ ووحدة تاريخية في بناء الحضارات ومقاومة الأعداء ووحدة ثقافية متجانسة في بناء الفكر وتأسيس المنهج.
فشمال افريقيا وحدة ترابية متصلة ببعضها تقع في جزء واحد وفي قارة واحدة وسكانها ينتمون في أغلبيتهم الساحقة الى جنس واحد هو الأمازيغي مع الاشارة الى وجود أقليات من الأجناس الأخرى شاء التاريخ أن تستقر في شمال افريقيا كغيرها من الرقع الجغرافية في العالم ويدينون بدين واحد هو الدين الاسلامي ويتبعون في أغلبيتهم مذهب واحد هو المذهب المالكي المغاربي الى جانب المذهب الاباضي الذي يتبعه أقلية من سكان شمال افريقيا ويتكلمون لغة واحدة هي اللغة الأمازيغية ومنها الدارجة المغاربية المعربة...فلا غرور اذا قلنا أنه لا يوجد شعب يمثل هذه العوامل الموحدة مجتمعة مما مكن هذا النجاح للأمة الأمازيغية من مصارعة المحتلين والوقوف في وجوه الغزاة والمستعمرين الذين تعاقبوا على أرضه والذين حاولوا جاهدين كسر وحدته والقضاء على وجوده ومحاولة اقامة الحدود المصطنعة بين أبناء الشعب الواحد واتباع سياسات مختلفة وخلق المشاكل وبعث أسباب الفرقة والاختلاف.
ولقد استطاعت الشخصية الأمازيغية الشمال افريقية أن تقف في وجه كل هذه المحاولات الماكرة والمخططات الخبيثة بكل تحد وجرأة وحماس ضد دعاة التعريب والتغريب الذين يعملون من أجل التفتيت والتشتيت فكانت شخصية ذات طاقة عجيبة في الثبات أمام الصعاب متحدة في قوتها لتنتهي في الأخير الى ادماج أعدائها فيها وغمرهم بطابعها الثقافي ومنزعها الأخلاقي فحفظت بذلك تبلورها القومي وكيانها الشامخ في وجه كل غاصب مؤكدة أن سكان شمال افريقيا تمازغا لهم مقومات قوية وقيم مثلى وأخلاق وطنية وحضارة عريقة وأن أمر الوحدة مستقر في نفوسهم ثابت في عقولهم تجري بها دمائهم المشتركة ويسري بها ايمانهم المتوهج ويحفل بها ماضيهم البعيد والقريب وتاريخهم المجيد.
لقد بدأت المطالبة بشمال افريقي موحد في العصر الحديث منذ مطلع القرن العشرين زمن الاستعمار فتأسس حزب نجم شمال افريقيا بمؤسسين من تونس والجزائر والمغرب رافعين شعار الاستقلال ووحدة شمال افريقيا معا ثم انعقد مؤتمر طنجة في الخمسينات الا أن الأمر بقي في حدود الطلب والأمنية والحلم والأمل والطموح وسط محاولات لم يكتب لها النجاح المأمول اذ بقيت هذه الوحدة أملا شعبيا معلقا على الدوام بعيد كل البعد عن الواقع ومجرد فكرة يتحدث عنها رؤساء البلدان الشمال افريقية الفاقدين لكل ارادة سياسية من أجل عمل وحدوي شمال افريقي لأنه ينصبهم الأعداء للسهر على مصالحه والحفاظ على ارثه الاستعماري في شمال افريقيا باثارة النزعة القطرية والانزواء وقتل كل شعور أمازيغي شمال افريقي باختلاق نزاعات جهوية لمزيد الدفع للتشتيت والتفتيت وبث البغضاء والكراهية بين أبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة أو تأتي في الخطب والبيانات الجوفاء أو تتضمنها الدساتير والعهود الشكلية.

الاختلاف في الاسلام؟

لقد نزل القرآن الكريم بلسان عربي ولا أحد يجادل في ذلك حيث بكل بساطة أن الذي اختير لحمل الرسالة السماوية عربي اللسان. كما أن الرسالات السماوية الأخرى أتت بلغات أخرى مراعاة للمخاطب أي حامل الرسالة. اضافة الى أن اللغة العربية ليست اللغة الوحيدة التي حملت رسالة سماوية فاللغة الأمازيغية ساهمت في نشر تعاليم الدين الاسلامي في كل من الأندلس والصحراء الافريقية و هذا لا يعني أيضا أن المسلم لا يصح إسلامه إلا بهذه اللغة أي لغة النزول.لأن هدف هذه الرسالات كلها في نهاية المطاف هو بناء إنسان صالح و ذلك بغرس القيم و الأخلاق و التعاليم الدينية التي تحملها هذه الرسالات.و على هذا الأساس،فإن هذه القيم يمكن تبليغها بأي لغة و الكل يدرك و يعي أن إسلام الشخص يصبح واقعا بإعلانه عن الشهادتين، لأن إسلامه لا يتطلب لغة، لكن الحسب علماء الإسلام الشهادة تتطلب النطق باللغة العربية ولو يكون ذلك بشكل متلعثم. و الله تعالى يقول : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْر/ سورة البقرة?: الآية185َ
حيث ينص القرآن الكريم في العديد من آياته المحكمات على أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يختلف الناس في كل شيء كما يدعو إلى الإعتصام بحبل الله. يقول تعالى : وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ/الآية 103 من سورة آل عمران
كما أن الاختلاف يتجلى في الرأي و اللغة و الثقافة وفي شتى الميادين كما نجد أيضا الاختلاف قائما منذ وجود الإنسان إلى يومنا هذا. فقد اختلف المسلمون في أزهى عصور الإسلام اختلافا شديدا ، و أول اختلاف تزامن مع وفاة النبي عليه الصلاة و السلام مباشرة، بين المهاجرين و الأنصار. حيث يقول تعالى:وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ/سورة هود آية رقم 118. لذا شاء الله ألا يكون الناس أمة واحدة ، فكان من مقتضى هذا أن يكونوا مختلفين. و قوله تعالى :يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير/ سورة الحجرات الآية 13 لذا فالغاية من هذا الاختلاف كله ليس التناحر و الخصام و إنما هي التعارف و الوئام.
أيضا نجد قوله تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ/ سورة الروم: الآية22 .
ويظهر من خلال هذه الآية الكريمة أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يخلق الناس مختلفين لكل منهم طريق يسلكه و منهج يتبعه و لكل منهم لغة وثقافة معينة ، فلو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة و لجمعهم على لسان واحد و وحيد كما في الآية السالفة، لأنه لا طعم للحياة لو كانت قائمة على الائتلاف و عدم الاختلاف ، لذا فحكمته تعالى قضت أن يكون التنوع في كل ما خلق و ما يؤكد أكثر أن القرآن مع التعدد و الإختلاف ورود مجموعة من الألفاظ الفارسية و الهندية والنبطية والاغريقية والأمازيغية في القرآن الكريم.
ووقف عند آيات قرآنية واعتبر بعض الألفاظ أمازيغية،وأرجع ذلك إلى الاختلاط اللغوي بين العربية واللغات الأخرى التي عاصرتها وامتزجت بها وأورد مصطلحات مثل، المهل والأب وآنية وقنطار: في قوله تعالى : وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا». وقوله تعالى : «و فاكهة و أب». وقوله تعالى : «من عين آنية.» وقوله تعالى : «إلا أن يوذن لكم إلى طعام غير ناظرين إنا» وقوله تعالى: « زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ.
وكذلك بالسنة النبوية باعتبارها المصدر الثاني للعقيدة الإسلامية بعد القرآن الكريم،يتضح أن معظم  الأحاديث النبوية التي صدرت عن الرسول صلى الله عليه و سلم في ما يخص التعدد اللغوي و الثقافي كانت خير دليل. يقول النبي عليه الصلاة و السلام: «ما من أحد إلا و سيكلمه ربه ليس بينه و بينه ترجمان».
و قال أيضا : «يا أيها الناس إن ربكم واحد و إن أباكم واحد و إن دينكم و احد و أن العربية ليست لكم أما و أبا ، كلكم لآدم و آدم من تراب، لا فضل لأحد إلا بتقوى الله». كما نجده في خطبته صلى الله عليه و سلم المشهورة يقول : «أيها الناس ألا إن ربكم واحد و أن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي و لا لعجمي على عربي، و لا أسود على أحمر و لا أحمر على أسود إلا بالتقوى» . وبذلك يتبين أن أحاديث كثيرة كلها تدل على أن معيار و مقياس التفاضل بين الناس عند الله سبحانه و تعالى هو التقوى و ليس اللسان أو اللون أو النسب،وفي هذا إقرار للمساواة في الحقوق الإنسانية اللغوية و الثقافية.